اتجه أمبرتو إيكو في السنوات الأخيرة نحو إعادة صياغة مجموعة من الإشكالات الخاصة بقضايا تأويل النص الأدبي، وقد قدَّم في هذا الشأن مجموعة من الدراسات المتميزة كان آخرها كتابه "التأويل والتأويل المضاعف" (1996)، دعامته في ذلك وزاده المعرفة الجديدة التي جاءت بها السميائيات وأشاعتها من خلال نماذجها الراقية.
وفي هذه المحاضرات يعيد إيكو صياغة قضايا التأويل مركزاً على معطيات تطبيقية عرفت بانتمائها إلى ما يطلب عليه بالتفكيكية أو التأويل المضاعف، وأخرى تدرج نفسها ضمن ما يطلق عليه إيكو بالسميوزيس التأويلية، وحول هذين التصورين تتمحور كل القضايا النظرية والتطبيقية الواردة في هذا الكتاب وإليها أيضاً تستند مقترحاته الجديدة.
ينطلق إيكو، في معالجته لقضايا التأويل، من تصور يرى في التأويل وأشكاله صياغات جديدة لقضايا فلسفية ومعرفة موغلة في القدم، فجمل التصورات التأويلية التي عرفها قرننا هذا لا تفسر إلا بموقعها من "الحقيقة" كما تصورها الإنسان وعاشها وصاغ حدودها أحياناً على شكل قواعد منطقية صارمة، وأحياناً أخرى على شكل إشراقات صوفية واستنباطية لا ترى في المرئي والظاهر سوى نسخ لأصل لا يدركه الحس العادي ولا تراه الأبصار.
فــ"التطرف" أو "الاعتدال" في التأويل لا يفسران بما يقال في النص أو حوله، بل يجب البحث عن تفسير لهما فيما هو أعم وأشمل، ويتعلق الأمر بالعودة إلى وقائع لها علاقة بموقف الإنسان من العالم والله والحقيقة والمعرفة وبناء الحضارات وتأسيس المدن وتعيين العواصم وتخوم الإمبراطوريات وتعدد اللغات والثقافات.
كتاب التأويل : بين السيميائيات والتفكيكية من تأليف أمبرتو إيكو والحقوق الفكرية والأدبية للكتاب محفوظة للمؤلف