هذا الكتاب[1] يضم بين دفتيه ستة نصوص اختارها المترجم من كتابين لجورج زيملGeorg Simmel: فالنصان الأولان "مشكلة السوسيولوجيا" و"كيف يكون المجتمع ممكنا؟" مقتطفان من كتاب "السوسيولوجيا: دراسات في أشكال الاجتماع". أما النصوص الأربعة الأخرى، والتي عناوينها على التوالي: "ميدان السوسيولوجيا"، "المستوى الفردي والمستوى الاجتماعي (مثال للسوسيولوجيا العامة)"، "المؤانسة (مثال للسوسيولوجيا الشكلية أو الخالصة)" و"الفرد والمجتمع في بعض تصورات الوجود في القرنين 18 و19 (مثال للسوسيولوجيا الفلسفية)"، فإنها مقتطفة من كتاب المشكلات الأساسية للسوسيولوجيا.
ويؤكد الدكتور احجيج أن فهم هذه النصوص ليس بالأمر اليسير، لأنها أولا: "نصوص كتبت بأسلوب معقد، وتتضمن مفاهيم يصعب بلوغ دلالتها بيسر، خاصة وأن القارئ العربي لم يألفها، ثانيا: لأنها تعكس تعقد الخلفيات الفكرية المتعددة لصاحبها، الفلسفية والسوسيولوجية والتاريخية، وثالثا: نظرا لكون بعضها يحمل أكثر من معنى في المتن الزيملي. لذلك آثرت، [يضيف المترجم] أن أضع لكل فصل مقدمة أوضح فيها بعض الالتباسات الدلالية وأبرز عند الاقتضاء، السياقات والمرجعيات التي تندرج في إطارها مقاربة زيمل للحياة الاجتماعية" (ص 22).
بعد أن عرضنا عناوين المواد التي يحتويها الكتاب، ننتقل الآن إلى تقديم قراءة أفقية في مضامينه، حيث سأقوم بعرض أهم أفكاره بشكل مقتضب.
افتتح المترجم المقدمة التي وضعها للكتاب بثلاثة أسئلة جوهرية: الأولى حول الفائدة العلمية التي يمكن أن تضيفها هذه النصوص المترجمة لحقل العلوم الاجتماعية العربية، وخصوصا السوسيولوجيا بعد أزيد من قرن عن صدورها بالألمانية، خاصة وأن السوسيولوجيا عرفت تطورا كبيرا سواء على المستوى الإبستمولوجي أو المنهجي؛ ثم تساءل المترجم عن غياب سوسيولوجيا جورج زيمل من برامج التكوين السوسيولوجي في جامعتنا المغربية؛ وأخيرا، تساءل عن غياب ترجمات عربية لأعماله، هذا إذا استثنينا طبعا، بعض النصوص التي ترجمها محمد ديركي ونشرها في كتاب بعنوان: علم الاجتماع الديني[2]. يقول المترجم في هذا الصدد: "نظرا لغياب زيمل شبه الكلي من السوق الثقافية العربية، فإنني ارتأيت الاقتصار على الأعمال التي عالج فيها هذا السوسيولوجي الألماني موضوع السوسيولوجيا ومنهجها؛ أي على النصوص التي تضمنت مقاربته الإبيستمولوجية لهذا العلم الذي كان قد ولد لتوه في تلك الحقبة" (ص 21).
وللإجابة عن هذه الأسئلة المقلقة، استند حسن احجيج إلى نصوص باحثين آخرين، خاصة كتابات "كاترين كوليو- تلين C. Colliot- Thélène" الباحثة الفرنسية المتخصصة في السوسيولوجيا الألمانية. وقدم لنا بعض الإجابات التي تتجلى في بعض العوامل الأساسية التي ساهمت في تهميش إسهامات جورج زيمل في الحقل السوسيولوجي العالمي، وأهمها "هيمنة دوركهايم في فرنسا، وماكس فيبر في ألمانيا وبارسونز في الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى غياب دراسات نقدية لأعماله التي كان من شأنها أن تكشف عن خيط ناظم يعطي وحدة إبستمولوجية لكتاباته الغزيرة التي كانت مواضيعها الشديدة التنوع توحي بأنها بدون وحدة عضوية، كما أن تصوره للمجتمع مثقل جدا بالتصورات الفلسفية، الشيء الذي سبب نفور كثير من السوسيولوجيين المعاصرين الذين كانوا يهابون مصادفة أشباح ميتافيزيقية داخل السوسيولوجيا العلمية، وربما لو استعمل زيمل المفاهيم التي كانت مألوفة في الممارسة السوسيولوجية كالبنية الاجتماعية مثلا لصادف مقاومة أقل.
ويضيف المترجم عاملا أساسيا كان وراء الهامشية الثقافية التي عاشتها كتابات زيمل لعقود طويلة: إنه أصله اليهودي الذي أثار كثيرا من ردود الفعل السلبية لدى فاعلين مناهضين للسامية" (ص ص 10-11).
كتاب الفرد والمجتمع - المشكلات الأساسية للسوسيولوجيا من تأليف جورج زيمل والحقوق الفكرية والأدبية للكتاب محفوظة للمؤلف