تتضمن هذه الترجمة الجزء الأول فقط من كتاب "مبادئ الفلسفة". في هذا القسم يعرض ديكارت سلسلة من التعريفات والقضايا التي تتعلق بطبيعة النفس وملكاتها وحدود قدراتها، و بكمالات الإله وصفاته.
تشكل هذه السلسلة من المواد (المواد تعبير للمترجم يطلقه على القضايا التي يتشكل منها مضمون الكتاب، و عددها 76) استدلالات يقيمها ديكارت على مبادئ فلسفته، ويثبت بواسطة هذه الاستدلالات مجموعة من النتائج التي تهم:
طبيعة العالم من جهة انقسامه إلى جوهرين: الفكر والامتداد.
طبيعة العلاقة بين الملكتين الرئيسيتين للنفس: المعرفة والإرادة، وما يترتب عنها من اعتبارات تهم منهج البحث عن الحقيقة.
طبيعة العلاقة بين ماهية الإله ووجوده فيما يخص مسألة إمكان أو وجوب وجود الإله، و طبيعة العلاقة بين الإنسان والإله.
ينقسم كتاب "مبادئ الفلسفة" إلى أربعة أجزاء أولها "مبادئ المعرفة البشرية"، وهو بمثابة الميتافيزيقا التي سيؤسس عليها ديكارت الفيزيقا التي يفصل فيها القول في الأجزاء الثلاثة اللاحقة وهي "مبادئ الأشياء المادية"، "السماء" و"الأرض". ألغى ديكارت الجزئين الخامس والسادس المتعلقين ب"الحيوان" و"الإنسان" لعدم توفره على المعطيات الكافية بشأن هذين الموضوعين.
بهذا الترتيب، يقلب ديكارت التصور القديم للفلسفة رأسا على عقب، فالمدرسيون ينطلقون في مباحثهم من المنطق ثم الأخلاق إلى الفيزيقا وأخيرا الميتافيزيقا، فتكون غاية البحث الفلسفي عندهم هي الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالإله والنفس. بينما يبدأ ديكارت فلسفته بالميتافيزيقا، ثم الفيزيقا التي تنقسم إلى الميكانيكا والطب، وانتهاء بالأخلاق التي هي غاية التفلسف الحق عند ديكارت. فالمعرفة بالنسبة إليه لا قيمة لها إن لم تحقق المنفعة للإنسان في بدنه ونفسه وأخلاقه، إذ أن المعرفة الحقيقية بالضرورة تقود إلى الأفعال الصحيحة وبالتالي فإنها تقود الإنسان نحو الخير.
غير أن ديكارت يخبرنا بشيء قد يبدو أنه لا يتوافق مع هذه الغاية العملية التي يجعلها شرطا للتفلسف الصحيح، وهذا الشيء يتمثل في اعتباره غاية الغايات بالنسبة للإنسان العاقل هي السعي إلى معرفة الحقيقة بواسطة عللها الأولى، وهي الحكمة بالنسبة إليه. إذن، هل نسمح لأنفسنا بوصف ديكارت بالتناقض؟ ليس في الأمر تناقض إذا ما علمنا أن ديكارت يضع صلاح العقل شرطا لصلاح الإرادة، والإرادة هي مولد حركة الإنسان وعمله، فيكون بذلك السعي نحو الحكمة هو نفسه سعيا إلى العمل السديد الذي تصلح به حياة الإنسان، أي سعيا إلى الأخلاق الصحيحة.
ينتقد ديكارت الفلسفة المدرسية التي كانت شائعة في عصره، فقد كانت تفسد استعدادات الأشخاص لتعلم الفلسفة الصحيحة لكونها لا تعلمهم إلا المنطق الأرسطي العقيم ولا تدربهم إلا على حفظ أقوال من جاء قبلهم والانخراط في المجادلات التي كانوا يخوضونها فيها. بينما يصف فلسفته بكونها بسيطة و تبلغ مستوى عميقا من اليقين. (ديكارت، معجم الفلاسفة، ص298)
كتاب مبادئ الفلسفة من تأليف رينيه ديكارت والحقوق الفكرية والأدبية للكتاب محفوظة للمؤلف