الكثير من الكتاب والباحثين العرب والمغاربة كتبوا في مسألة التحليل السيميائي، وطبقوه على العديد من الإبداعات المتميزة عربيا، وحاولوا توليد رؤى جديدة في مجال التحليل السيميائي في الأدب للوصول إلى شاطئ الإجابة عن سؤال كيف نحلل الخطاب الروائي من خلال السيميائيات؟
ومن هنا حاول الدكتور عبدالمجيبد نوسي في كتابه المتميز "التحليل السيميائي للخطاب الروائي" أن يقارب هذا الموضوع ويبجيب عن هذا السؤال من خلال تحليل رواية "اللجنة" للروائي صنع الله إبراهيم. ولذلك تفوق الأستاذ نوسي فيب مقاربة هذه الرواية من خلال تبني السيميوطيقا السردية عند كريماس وذلك باشتثمار معطيات هذه النظرية في تعالق مكوناتها، بدءا من المكون العميق إلى البنية الأولية للدلالة، إلى البنية التركيبية ثم الصوغ الخطابي.
استند المؤلف فيب كتابه إلى الأعمال التي شيدت النظرية المذكورة، وذلك بتحديد المستويات الأساسية للسيميوطيقا السردية في البنية الأولية للدلالة والمربيع السيميائي، والتركيب العاملي، ومفاهيم العلاقة والحالة، والنحو السردي، والتسريد، والتحويل، والمسار التوليدي. ولأنه يبدرك قيمة هذه المستويات فيب تحليل أي خطابروائي كيفما كان نوعه، ولأنه يعتبر من الأساتذة الباحثين والمدرسين فيب هذا المجال العلمي، ولأنه يتميز بثقافة واسعة واجتهادات لافتة للنظر، فإن هذا الكتاب يحتاج إلى دراسة جديدة وإلى التعريف به للقراء قصد الاطلاع عليه والإفادة منه.
إن استناد التحليل إلى المنهج السيميوطيقي برمته، دفع المؤلف إلى القيام بتحليل شامل من الناحية المنهجية، وذلك من خلال استثمار مفهومي القول والمقول وعملية القول المقولة التي تمثل طريقة نقل الرواية. وهذا ما يسمح بإنجاز التحليل الشامل والتفصيلي الذي يرصد كل مكونات الخطاب في النظر إليه في أفقيته محللا العلاقة بين المقاطع والمسارات التصويرية والأقوال .
إن استناد المؤلف عى المنهج السيميوطيقي ونجاحه في استثمار كل المفاهيم والآراء التي أتى بها هذا المنهج تشي بأنه قرأ الكثير عن السيميائيات وتشبع بهذا العلم في علاقته باللسانيات عند دوسوسو وغيره من المهتمبن بالدرس اللسني. وهذا يتضح من خلال كتابه هذا، وكذلك من خلال كتبه التي ترجمها، أو من خلال محاضراته التي يقدمها بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة .
لقد أطر المؤلف كتابه تأطيرا علميا بحيث أنه اعتمد في دراسته هذه على عناصر مهمة ودقيقة تساعد القارئ والباحث على الرجوع إليها دون عناء البحث الممل. فقسم الكتاب إلى بابين اثنين وكل باب يتكون من فصول محددة، قبل أن يحدد في مقدمته الإشكالية العامة والإشارة إلى البعد النظري والابستمولوجي الذي يطرحه تطبيق السيميوطيقا على الحطاب الروائي، وإلى المتن الموحد للدراسة. بينما وقف في خاتمة الكتاب عند الخلاصات التي أفرزها التحليل على المستوى التطبيقي والنظري.
تنظيم الخطاب الروائي :
إن تقطيع الخطاب هو الخطوة الأولى والأساسية في عملية التحليل، وذلك من خلال تقطيع الخطاب إلى مجموعة مقاطع وفق معايير للتقطيع. فالمقطع السردي حسب كريماس يكنون قادرا على أن يكون لوحده حكاية مستقلة، وأن تكون له غايته الخاصة به، غير أنه يكون قادرا أيضا على الاندماج داخل حكاية أكبر توسعا مؤديا وظيفة خاصة داخلها.
وهذا التقطيع للتحليل يهدف حسب الدكتور نوسي إلى أنه يمكن من التعامل المرن مع هذه المقاطع أثناء التحليل، إضافة إلى أنه خليق بإبراز التعالق بين هذه المقاطع من خلال إبراز استقلالية كل مقطع من جهة وعلاقته بالمقاطع الأخرى من جهة أخرى، ولأنه لا يقتصر على تحديد المقاطع التي يتمفصل إليها الخطاب في تعالقها، بل يحقق هدفا أساسيا هو إضاءة دلالة الخطاب بإنتاج مجموعة "آثار معنى" أولية وجزئية تسهم في تكون الدلالة العامة لخطاب الرواية.
إن التقطيع ليس عملية بسيطة، ولكنه يعتبر عملية ممكنة وليست مستحيلة من خلال الارتكان إلى تصور منهجي متماسك، وتحديد مجموعة من المحددات الملائمة التي تقوم عليها عملية التقطيع ضمن التركيب النظري لكريماس. والتي جعلها ثلاثة أجملها في العناصر الظاهراتية وفي العناصر الخطابية وفي الزمان والمكان (الخطابات التصويرية) .
يرتبط تحديد المحتوى بعملية القول التي تمثل ،في إطار النظرية السيميوطيقية، تحقيقا يحول البنيات السيميائية-السردية إلى بنيات خطابية محققة، كما أن عملية القول التي تؤشر على عوامل التواصل (السارد – المسرود له) تحيل على علاقات التفاعل وآليات الإقناع. فالتحليل حسب المؤلف ملزم بالتركيز على الخطاب بدراسة مكوناته وانسجاما مع التصور المنهجي العام الذي نستند إليه.
ومن هنا عمل الدكتور نوسي على دراسة مكونات الخطاب في ضوء ما تقترحه السيميوطيقا السردية من مفاهيم إجرائية قادرة على استكشاف مكونات الخطاب في تقديم الحكاية، وقد حدد هذه المكونات في المواضيع التالية: الحكاية، والتمظهر الخطابي للحكاية، التجذير التاريخي للحكاية (زمن الحكاية)، موقع عوامل التواصل،....
إن كل خطاب يفترض وجود قائل ومقول له، ويفترض وجود عامل التواصل ضمن مقولة الضمير الشخصي التي تميز خطاب الرواية. وتواجد عامل تواصل ثان هو المسرود له الذي يتلقى السرد. ولذلك كان من الضرورة بمكان على المؤلف دراسة آليات الإقناع التي ينتهجها السارد من خلال تحديد شكل حضور عامل التواصل الثاني ونوعية وجوده السيميوطيقي داخل الرواية .
كتاب التحليل السيميائي للخطاب الروائي من تأليف عبد المجيد نوسي والحقوق الفكرية والأدبية للكتاب محفوظة للمؤلف