في بلاد ما بين النهرين قبل خمسة إلى ستة آلاف عام كان حضور قوي للإله الأنثى لكن سرعان ما بدأت تتراجع مكانة الآلهة الإناث في دين الدولة بالشرق القديم وحل محلها هيمنة أكبر لآلهة ذكور وهذا التحول يترجم بداية هيمنة الذكورة على الأنوثة.
وبالرجوع إلى تلك الحقبة التاريخية يتبين أن خضوع المرأة للرجل لا يعود إلى طبيعة تكوينها البيولوجي ولا النفسي كما يدَّعي كثيرون، بل له أسبابه الموضوعية وهو خضوع لم يحدث في خطوة واحدة بل عن طريق سيرورة تاريخية امتدت لأكثر من 3500 سنة.
استغرق تطور خلق الإله الذكر ألف عام، ورافق ظهور الدول القوية صعود وهيمنة الآلهة الذكور ، فقد أدى التدجين وتربية الحيوانات إلى فهم أكبر للتناسل ومعرفة دور الذكر في العملية، وأصبحت بعد ذلك عملية الخلق مشتركة بين الإلهة الأنثى والإله الذكر، مع هيمنة أكبر للآلهة الذكور، بعد أن كانت قبل ذلك مقتصرة على الإلهة الأنثى باعتبارها مانحة الحياة الوحيدة.
ومع اكتشاف الزراعة ظهر مفهوم المِلكية الخاصة، وتوسع المفهوم فيما بعد لتظهر الدول، ورافق نشأتها ظهور نزعة عسكرية متمثلة في الرغبة في الهيمنة على الأراضي الأخرى، والسيطرة على أكبر قدر من المناطق وإخضاعها.
هذه التغيرات التاريخية في المِلكية والقيادة العسكرية أسهمت في خلق رمز إله ذكر، ففي الحروب كان للرجال دور أكبر، فالرجل هو المحارب وهو المدافع عن المدينة ومعبدها وآلهتها، وهو صاحب القوة الذي سيهزم أعداء المدينة، بعكس المرأة التي لم يكن لها دور واضح في الحروب، ممَّا جعلها أقل شأنًا من الرجال.
مهَّد ذلك لهيمنة الرجل على المرأة وإخضاعه لها، كما انعكس على وضع الآلهة الإناث، فتراجعت مكانتها وصعدت مكانة الآلهة الذكور، وجعل رمز القوة في المُتخيَّل الديني ممثَّلًا عن طريق إله ذكر قوي.
كتاب نشأة النظام الأبوي من تأليف غيردا ليرنر والحقوق الفكرية والأدبية للكتاب محفوظة للمؤلف